فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (88):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [88].
{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أي: في سبيل الله، لغلبة حب الله عليهم، على حب الأموال والأنفس {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} أي: منافع الدارين، النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في العقبى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: الفائزون بالمطلوب.

.تفسير الآية رقم (89):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [89].
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: الذي لا فوز وراءه.
ثم بيّن تعالى أحوال منافقي الأعراب، إثر بيان منافقي أهل المدينة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (90):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [90].
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} أي: في ترك الجهاد، وهم أحياء ممن حول المدينة. و{الْمُعَذِّرُونَ} فيه قراءتان، التشديد والتخفيف، والمشددة لها تفسيران:
أحدهما: من عذر في الأمر، إذا محتمل لأن يكون عذره باطلاً وحقا، وأصله عليهما معتذرون، نقلت فتحة التاء إلى العين، وقلبت التاء ذالاً، وأدغمت فيها.
وأما التخفيف فهي من أعذر إذا كان له عذر، وهم صادقون على هذا.
وقوله تعالى: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: في دعوى الإيمان، وهم منافقو الأعراب الذين لم يجيئوا، ولم يعتذروا، بل قعدوا من قلة المبالاة بالله ورسوله.
ثم أوعدهم تعالى بقوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الضمير في {مِنْهُمْ} إما للإعراب مطلقاً، فالذين كفروا منافقوهم، أو أعم، وإما للمعذرين، فإن منهم من اعتذر لكسله، لا لكفر، وجوّز أن يكون المعنى بالذين كفروا منهم، المصرون على الكفر.
ثم بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشَخص لا ينفك عنه، وما هو عارض عنَّ له بسبب مرض شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب عجزه عن التجهز للحرب، وبدأ بالأول فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (91):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [91].
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} وهم العاجزون مع الصحة، عن العدو، وتحمل المشاق، كالشيخ والصبي، والمرأة والنحيف {وَلا عَلَى الْمَرْضَى} أي: العاجزين بأمر عرض لهم، كالعمى والعرج والزمانة {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} أي: ولا على الأقوياء والأصحاء الفقراء، والعاجزين عن الإنفاق في السفر والسلاح، {حَرَجٌ} أي: إثم في القعود، والحرج أصل معناه الضيق، ثم استعمل للذنب، وهو المراد: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}
أي: أخلصوا الإيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا، ولم يثيروا الفتن وأوصلوا الخيرات للجاهدين، وقاموا بصالح بيوتهم.
وقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} استئناف مقرر لمضمون ما سبق، أي: ليس عليهم جناح، ولا إلى معاتبتهم سبيل، ومِنْ مزيدة للتأكيد، ووضع {الْمُحْسِنِينَ} موضع الضمير، للدلالة على انتظامهم، بنصحهم لله ورسوله، في سلك المحسنين، أو تعليل لنفي الحرج عنهم، أي: ما على جنس المحسنين من سبيل، وهم من جملتهم أفاده أبو السعود.
قال الشهاب: ليس على محسن سبيل، كلام جارٍ مجرى المثل، وهو إما عامّ، ويدخل فيه من ذكر، أو مخصوص بهؤلاء، فالإحسان: النصح لله والرسول، والإثم المنفي إثم التخلف، فيكون تأكيداً لما قبله بعينه على أبلغ وجه، وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام، لأن معناه لا سبيل لعاتب عليه، أي: لا يمرّ به العاتب، ويجوز في أرضه، فما أبعد العتاب عنه! فتفطن للبلاغة القرآنية كما قيل:
سُقْياً لأيامنَا الَّتي سَلَفَتْ ** إِذ لا يَمُرُّ العذُولُ في بَلَدِي

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر، مشير إلى أن بهم حاجة إلى المغفرة، وإن كان تخلفهم بعذر- أفاده أبو السعود-.
أي: لأن المرء لا يخلو من تفريط ما، فلا يقال إنه نفى عنهم الإثم أولاً، فما الإحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب؟ أفاده الشهاب.

.تفسير الآية رقم (92):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [92].
{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} عطف على: {الْمُحْسِنِينَ}، أو على {الضُّعَفَاءِ} أي: لتعطيهم ظهراً يركبونه إلى الجهاد معك {قُلْتَ} أي: لهم {لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} أي: إلى الجهاد.
قوله تعالى: {تَوَلَّوْا} جواب إذا، أي: خرجوا من عندك {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} أي: في الحملان، فهؤلاء وإن كانت لهم، قدرة على تحمل المشاق، فما عليهم من سبيل أيضاً.
تنبيهات:
الأول: قال السيوطي في الإكليل: في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} الخ. رفع الجهاد عن الضعيف والمريض، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملاً. انتهى.
وقال بعض الزيدية: هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج، وهو الإثم على ترك الجهاد لهذه الأعذار، بشرط النصيحة لله ولرسوله، أي: بأن يريد لهم ما يريد لنفسه.
- عن أبي مسلم-.
الثاني: قال الحاكم: في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب، وأنه يدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة.
الثالث: قال ابن الفرس: يستدل بقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها.
وقال بعض الزيدية: يدل على أن المستودع والوصيّ والملتقط، لا ضمان عليهم مع عدم التفريط، وأنه لا يجب عليهم الرد، بخلاف المستعير.
الرابع: دل قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذيِنَ} الخ، على أن العادم للنفقة، الطالب للإعانة، إِذا لم تحصل له، فلا حرج عليه، وفيه إشارة إلى المعونة إذا بدلت له من الإمام، لزمه الخروج.
الخامس: دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة، وإن كان معذوراً.
السادس: قوله تعالى: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} أبلغ من يفيض دمعها، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض، ومن للبيان، كقولك: أفديك من رجل. ومحلّ الجار والمجرور النصب على التمييز- أفاده الزمخشري-.
السابع: روى ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم على أذني، إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ} الآية.
وروى العوفي عن ابن عباس في هذه الآية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه، فيهم عبد الله بن مُغَفَّل بن مُقَرِّن المزني، فقالوا: يا رسول الله! احملنا. فقال لهم: «والله! لا أجد ما أحملكم عليه».
فتولوا وهم يبكون، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقة ولا محملاً، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه، فقال: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ}.
وروى الإمام أحمد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة رجالاً، ما قطعتم وادياً، ولا سلكتم طريقاً، إلا أشركوكم في الأجر، حبسهم المرض». ورواه مسلم.
ثم رد تعالى الملامة على المستأذنين في القعود وهم أغنياء، بقوله:

.تفسير الآية رقم (93):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [93].
{إِنَّمَا السَّبِيلُ} أي: بالعتاب والعقاب {عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} أي: قادرون على تحصيل الأهبة {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} أي: من النساء والصبيان وسائر أصناف العاجزين، أي: رضوا بالدناءة والضعة والإنتظام في جملة الخوالف.
قال المهايميّ: وهذا الرضا، كما هو سبب العتاب، فهو أيضاً سبب العقاب، لأنه لما كان عن قلة مبالاتهم بالله، غضب الله عليهم {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي: ما يترتب عليه من الصائب الدينية والدنيوية، أو لا يعلمون أمر الله فلا يصدقون.
لطيفة:
قال الشهاب: اعلم أن قولهم: لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، معناه: لا حرج ولا عتاب، وأنه بمعنى لا عاتب يمر عليه، فضلاً عن العتاب، وإذا تعدى بإلى كقوله:
ألَا لَيْْتَ شِعْرِي هَلْ إلى أُمَّ سَالِمٍ ** سبيل فَأَمَّا الصبرُ عَنْهَا فَلَا صَبْرُ

فمعنى الوصول كما قال:
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ** أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إلى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ

ونحوه، فتنبه لمواطن استعماله، فإنه من مهمات الفصاحة. انتهى.
ثم أخبر تعالى عما سيتصدون له عند القفول من تلك الغزوة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (94):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [94].
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ} أي: سدّاً للسبيل عليهم في التخلف: {قُلْ لا تَعْتَذِرُوا} أي: لظهور كذبكم، إذ لم يمنعكم فقر ولا مرض، ولا يفيدكم الاعتذار {لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} أي: لن نصدق قولكم.
وقوله تعالى: {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} تعليل لانتفاء التصديق، أي: أعلمنا بالوحي من أسراركم ونفاقكم، وفسادكم ما ينافي التصديق {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} أي: من الرجوع عن الكفر، أو الثبات عليه، علماً يتعلق به الجزاء {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: للجزاء بما ظهر منكم، من الأعمال ووضعُ المظهر موضع المضمر، لتشديد الوعيد، وأنه تعالى مطلع على سرهم وعلنهم، لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم، فيجازيهم على حسب ذلك.
قال في النبراس: المراد بالغيب ما غاب عن العباد، أو ما لم يعلمه العباد، أو ما يكون، وبالشهادة ما علمه العباد، أو ما كان.
{فَيُنَبِّئُكُمْ} أي: يخبركم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: في الدنيا، قبل إعلامهم به.
وذكره لهم للتوبيخ.
قال أبو السعود: المراد بالتنبئة بذلك، المجازاة به، وإيثارها عليها، لمراعاة ما سبق من قوله تعالى: {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ} الخ، فإن المنبأ به الأخبار المتعلقة بأعمالهم، وللإيذان بأنهم ما كانوا عالمين في الدنيا بحقيقة أعمالهم، وإنما يعلمونها حينئذ.
ثم أخبر تعالى عما سيؤكدون به معاذيرهم، من أيمانهم الفاجرة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (95):

القول في تأويل قوله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [95].
{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} أي: فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم.
{فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} أي: فأعطوهم طلبتهم {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} تعليل لترك معاتبتهم، يعني أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، وإنما يعاتب الأديمُ ذو البشَرةِ، والمؤمن يوبَّخ على زلة تفرط منه ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار، وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم- أفاده الزمخشري-.
وقال الشهاب: يعني أنهم يتركون، ويجتنب عنهم كما تجتنب النجاسة، وهم طلبوا إعراض الصفح، فأعطوا إعراض مقت.
وقوله تعالى: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} من تمام التعليل، فالعلة نجاسة جبلّتهم التي لا يمكن تطهيرها، لكونهم من أهل النار، فاللوم يغريهم ولا يجديهم، والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل، أو تعليل ثان يعني وكَفَتْهُمُ النار عتاباً وتوبيخاً، فلا تكلفوا عتابهم.
وقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يجوز أن يكون مصدراً وأن يكون علة.

.تفسير الآية رقم (96):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [96].
{يَحْلِفُونَ لَكُمْ} بل مما سبق، وعدم ذكر المحلوف به لظهوره، أي: يحلفون به تعالى: {لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} أي: باعتقاد طهارة ضمائرهم وإخلاصهم {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فيه تبعيد عن الرضا عنهم على أبلغ وجه وآكده، فإن الرضا عمن لا يرضى الله تعالى عنه، مما لا يكاد يصدر عن المؤمن.
ثم أشار تعالى إلى أن منافقي الأعراب أشد رجساً فلا يغتر بحلفهم، وإن لم يكذبهم الوحي، فقال: